أميركا والإسلام

أميركا والإسلام
 
 



بعد مرور تسع سنوات على هجمات 11 ايلول 2001 يبرز الى الواجهة مشروع اقامة مركز اسلامي في مدينة نيويورك على مقربة من «مركز التجارة العالمي»، مما أثار جدلاً واسعاً في جميع الأوساط الاميركية، في مواجهة ظاهرة الاسلاموفوييا المتفاقمة في الغرب، تعمل السلطات الاميركية على تهدئة الخواطر، بينما تحاول الجالية الاسلامية ازالة فكرة تماشي الاسلام مع الارهاب من عقول الاميركيين العاديين. وسائل اعلام اميركية مرموقة واذاعات ومحطات تلفزة تحرض يومياً على الاسلام والمسلمين، وتعتبر ان الديانة الاسلامية الكريمة «ديانة عنيفة» تهدف الى الغاء الديانة المسيحية وتسعى الى السيطرة على العالم بالقوة، علما ان قسما كبيرا من المؤسسات والجمعيات المسيحية واليهودية والعلمانية تتصدى لهذا الخطاب المتطرف وتدعو الى احترام حرية الفكر والمعتقد التي كفلها الدستور الاميركي. 
ان مشروع بناء مركز اسلامي على العقار الذي يحمل الرقم Park 45 - 51 حاز على موافقة السلطات المحلية ومباركة رئيس البلدية مايكل بلومبرغ، ولكنه اصطدم بالحملة المنظمة التي انطلقت ضد هذا المشروع في جميع انحاء البلاد. متذرعة بالاساءة الى ذكرى الضحايا المدنية البريئة والى «قدسية» المكان الذي وقعت فيه الاعتداءات، ناسية او متناسية ان من بين الذين سقطوا عدداً كبيراً من المسلمين الاميركيين المدنيين الابرياء. من الملفت للنظر ان البناء المزمع تشييده على العقار المذكور سوف يكون مفتوحاً أمام الزوار من مختلف الأديان، وسوف يشمل عدة قاعات اجتماع اضافة الى مسبح وملعب لكرة السلة ومطعم ومكتبة وقاعة محاضرات ونصب تذكاري تكريماً لضحايا 11 ايلول، ناهيك عن مسجد يمكنه استيعاب نحو ألفي مؤمن. ان هذا المشروع هو الاول من نوعه في مدينة نيويورك التي تضم استناداً الى جامعة كولومبيا اكثر من سبعماية الف مواطن مسلم من اصل مليوني ونصف يعيشون حالياً في الولايات المتحدة الاميركية. تجدر الاشارة الى ان مشروع «غراوند زيرو» الذي قام به الامام فيص رؤوف وزوجته دايزي خان وهما من اصل باكستاني، اطلق عليه في البداية اسم «كوردوبا هاوس»، ولكنه استبدل لاحقا باسم «بارك 51» منعا لأي تفسير خاطئ قد يمكن ان يذكّر بالفتوحات الاسلامية في الأندلس. من المعروف ان فيصل ودايزي هما من الاميركيين المسلمين الذين يبشرون بالتسامح والحوار بين الأديان، ومن الشخصيات المعتدلة التي تدعو الى احترام الآخر وخصوصياته في مجتمع يتحدر من المهاجرين. ان موقع «غراوند زيرو» يمارس فيه المسلمون شعائرهم الدينية منذ اكثر من سنة، والذين دفعوا ثمنه مئة مليون دولار، اصبح حاليا مركزا للتظاهرات ضد المسلمين مع يافطات كتب عليها تعابير مهينة في حق دين الوسطية والاعتدال على مثال: «كل ما اعرفه عن الاسلام تعلمته في 11 ايلول». 
هذه الاحداث المشينة تطرح عدة تساؤلات حول علاقة اميركا بالاسلام، خاصة وان عدد المساجد ارتفع من 1200 مسجد عام 2001 الى 1900 مسجد عام 2010، وانه يوجد حالياً في جوار «غراوند زيرو» مسجدي «الفرح» و«مانهاتن» منذ العام 1970، مما يدعو الى التساؤل حول هذه الضجة وهذه التعبئة ضد انشاء مركز اسلامي على العقارpark 51 ان المراقبين للاوضاع في الداخل الاميركي يلاحظون ان مشروع بناء ستة مساجد جديدة لقي معارضة شرسة في مدينة عاينرفيل في فلوريدا، حيث اعرب احد القساوسة المتطرفين عن نيته في احراق نسخ من القرآن الكريم في ذكرى11 ايلول، مما اضطر السلطات الاميركية الى التدخل بفعالية من اجل الزامه بالتراجع عن عمله المقيت. وما هو الفرق بين تنظيم القاعدة الذي يدعو الى محاربة الصليبيين واحفادهم في الشرق وجميع الذين ينادون برفض الاسلام والمسلمين في اميركا والغرب؟ وما هو الفرق بين اسامة بن لادن والقس فرانكلين غراهام والسيناتور سكسبي تشامبلين ونيوت غينغريش وغيره؟ جورج بوش جونيور اعلن اثناء زيارته احدى مراكز الجمهوريين الذين قاطعوا البيت الابيض. وفي 13 آب 2010 اقام باراك اوباما حفل عشاء في «الوايت هاوس» حيث طمأن المسلمين واغدق عليهم الوعود في المحافظة على حقهم في بناء المساجد في اي مكان تسمح به القوانين، ولكنه كعادته ورضوخا امام الحملة الاعلامية الشعواء، عاد وتراجع عن موقفه متسائلا عن مغزى بناء مسجد في موقع غراوند زيرو. ابراهيم موس استاذ الدراسات الاسلامية في جامعة ديوك في كارولينا الشمالية يعتقد ان التعصب ضد المسلمين تفاقم كثيرا منذ احداث ايلول 2001، واصبح الموقف المناهض للاسلام يتصدر الخطاب السياسي. في استطلاع للرأي اجرته صحيفة النيويورك تايمس في عددها الصادر بتاريخ 3 آب 2010، تبين ان نسبة 50% من الاميركيين يعارضون اقامة اي مركز اسلامي في نيويورك، وان نسبة 70% يدعون الى تشييد المركز بعيدا عن موقع مركز التجارة العالمي، اما استطلاع الرأي الذي اجرته Time - Abt- SRB فهو يخلص الى ان الاسلام يشجع على العنف ضد الكفار واتباع الديانات الاخرى، مع العلم انه لا يوجد اي مانع لارتداء الحجاب كما في فرنسا مؤخرا، او اي مرادف للقانون السويسري الذي يمنع بناء المساجد والمآذن. 
ان الحزب السياسي في اميركا الذي ابتكر عام 2005 نظرية الفاشية الاسلامية والذي اطلق عام 2003 شعار «محور الشر» يحوذ اليوم على دعم المحافظين الذين يعتقدون ان سياسة اوباما المنفتحة على الاسلام تشجع الذين يحاولون تدمير اميركا باسم دينهم، والذين يعتمدون ثقافة الموت، نيوت غينغريش يحذر بان الجهاد المتخفي يحاول استبدال الحضارة الغربية بالشريعة الاسلامية على موقع هيومن ايفنتز Human Events على غرار فرانك غافني على قناة «فوكس نيوز» وباميلا غيللر على موقع Atlas shurgs ان الهجوم على الاسلام الراديكالي يقول جيوفري نونبرغ اختصاصي علم الالسنية. يذكرنا بالحملة التي قام بها Joseph Mc Carthy ضد الشيوعية عام 1950. وبالحرب الذي اعلنها الاميركيون اثناء الحرب العالمية الثانية على المتحدرين من اصل ياباني، مما برر جميع الارتكابات في حق الابرياء من اضطهاد وتمييز عنصري، الى اقامة معسكرات الاعتقال على الاراضي الاميركية. 
اليوم، احتلت كلمتي الجهاد والشريعة الاسلامية مكان كلمتي هار اكيري Hara-Kiri وكاميكاز Kamikaze، مما اقنع الشعب الاميركي انه يواجه ثقافة غريبة مستوردة وزاحفة تهدد وجوده. نيوت غينغريش اخذ بناء المركز الاسلامي غير «غراوند زيرو» ذريعة من اجل شن اعنف هجوم على الاسلام، مساويا ما بين المسلمين والنازيين والشيوعيين وحتى اليابانيين قائلا الى محطة فوكس: كما لن نقبل ابدا ان يبقي اليابانيون مركزا لهم على مقربة من بيرل هاربور، لن نقبل ان يبني المسلمون موقعا لهم في غراوند زيرو، وجيوفري نونغن يعتبر ان اقوال نيوت غينغريش غير دقيقة، لان عشرات المعابد اليابانية قائمة في محيط بيرل هاربور منذ عشرات السنين على سبيل المثال لا الحصر «الارسالية البوذية» التي تقع على مسافة خمسماية متر من موقع الهجوم على الاسطول الاميركي عام 1941. 
ان المجتمع الاميركي متعدد الاتنيات والثقافات والاديان والمعتقدات، ولكن الادارة الاميركية اختصاصية في فبركة الاعداء وشن الهجوم على الجميع خدمة لمآربها ومصالحها، ودفاعا عن ربيبتها اسرائيل، وما استعمال حق النقض او الفيتو مؤخرا في الامم المتحدة الا دعما للسياسة الصهيونية الاستيطانية، وما التحريض على الاسلام والمسلمين الا وسيلة من اجل صرف الانظار عن كل الذي يحدث في فلسطين المحتلة. والسؤال الاساسي يتمحور حول الموضوع التالي: هل لاميركا مشكلة مع الاسلام؟ وهل منعت احداث 11 سبتمبر 2001 والمحاولات الارهابية الفاشلة من بعدها، في منع اندماج المسلمين في المجتمع الاميركي؟ ان التمييز العنصري ضد السود في الماضي القريب، والاضطهاد الذي عانى منه الاميركيون من اصل ياباني، والعنف الذي يرافق حملات التشهير بالاسلام، هي وصمات عار في جبين اميركا، واهانة فاضحة لما يمثله تمثال الحرية القائم على مدخل مرفأ نيويورك، فهل تنتفض اميركا في وجه هذه الموبقات وتعيد الحق الى اصحابه، والاعتبار الى الامة الاميركية التي ما زالت تفتش عن مستقبلها في غياهب تاريخها القائم؟ 
البروفسور الياس معلوف

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire